لقد بدأت انعكاسات الفراغ السياسي والأمني، وضمناً الحكومي، تتوسع بتحويل التباطؤ الاقتصادي إلى جمود فعلي، بدأ يهدد العديد من المؤسسات في مختلف القطاعات سواء بالتوقف عن العمل ووقف التوظيف بعدما قلصت نشاطاتها في لبنان خوفاً مما يؤشر إلى سرعة قياسية في نمو البطالة التي تخطت 34 في المئة حتى الآن حسب الاحصاءات المتقطعة والترك المبكر للعمل حسب احصاءات الضمان الاجتماعي. يضاف إلى ذلك نمو تراكم الديون المشكوك بتحصيلها من الاشخاص والمؤسسات نتيجة لاعباء ونتيجة غياب عناصر الاستثمار الخارجي في المشاريع الجديدة حتى العقارية منها التي تراجعت أكثر من 16,7 في المئة. يضاف إلى تراجع التوظيفات من قبل المستثمرين اللبنانيين أو التوسع في المشاريع القائمة، مما سيزيد من وطأة الأزمة الاجتماعية ومن نمو البطالة وستزداد الأزمة المالية تأزماً.
لا بد من التوقف عند ظاهرة مستجدة أو جديدة تتعلق بتراجع نمو الودائع المصرفية وهو القطاع الذي ما زال يحافظ على الحدود الدنيا من تمويل الدولة والحاجات الاقتصادية والقطاعات من فردية إلى سكنية وانتاجية، وقد بدا يتراجع لاسباب محددة يمكن التوقف عند بعضها من حركة التحويلات التي تتراجع إلى لبنان بفعل ازمات المنطقة المتنقلة.
فتراجع السيولة عند القطاع المصرفي نتيجة تراجع نمو الودائع بالشكل المطلوب بدا ينعكس بشكل مباشر، وهو يزداد على حركة التسليف للدولة والاقتصاد.
فالودائع المصرفية استنادا على الاحصاءات المصرفية تشير إلى انها نمت 1.5في المئة خلال العام الحالي 2016 (في خمسة اشهر من 2016 نمت الودائع 1.52 في المئة مقابل نمو بلغ في العام الماضي حوالي 2.4 في المئة). هذا النمو يؤشر لعدم قدرة القطاع المصرفي على متابعة تمويل احتياجات الدولة والاقتصاد في ما تبقى من العام الحالي وفي العام المقبل، نتيجة تراكم الاسباب السلبية العامة وتراجع حركة الاستثمارات الجديدة، وابرزها عدم نمو الودائع بالنسبة المطلوبة والكافية لمتابعة التمويل لاحتياجات الدولة والقطاعات الاقتصادية في القطاع الخاص .
هذا يعني أنه لا تمويل لاحتياجات الدولة في حال استمرار الظروف القائمة (وهي قائمة ومستمرة)، ولا قدرة لتمويل حاجات القطاعات الاقتصادية المتراجعة على اعتبار ان القطاع المصرفي يواجه صعوبة ايجاد اماكن التوظيف لتلبية احتياجات المودعين الذين يعتمدون على توظيفاتهم في الودائع نظرا لتراجع اسعار الفوائد وانعدام امكانية التوظيف في الاسواق المجاورة نتيجة التطورات والظروف القائمة.
الموضوع الأخطر في الأمر يتعلق بتراجع السيولة بالعملات الاجنبية لدى المصارف قياسا على الودائع المصرفية. ولقد وصلت السيولة بالعملات الاجنبية قياساً على الودائع إلى ادنى مستوياتها في 10 سنوات. وتبلغ هذه النسبة حاليا في (أيار 2016) حوالي 10.2في المئة وهي نسبة متدنية مقارنة بالسنوات الأخيرة. لقد كانت نسبة السيولة بالعملات الاجنبية قياسا على الودائع حوالي 23.2 في المئة خلال العام. وصلت في نهاية العام 2012 إلى حوالي 17 في المئة. ثم تراجعت في العام 2013 إلى 15.5 في المئة. اما في العام 2014 فقد بلغت هذه النسبة حوالي 12.8 في المئة ثم تدنت في نهاية العام 2015 الى 11.8 في المئة. وهي وصلت اليوم إلى ادنى مستوياتها منذ حوالي عشر سنوات في لتبلغ حدود 10.2 إلى 10.4 في المئة.
السفير