أما السياسيون، فقد امتلأت المواقع الالكترونية بتصريحاتهم المُضجرة والفارغة والتي تحاول تعويض صمتهم المريب في مرحلة سابقة ولا تشبه مواقفهم المتناقضة سابقاً، وهم يراهنون على أن تكون ذاكرة الناس ضعيفة، لكنهم اليوم مضطرون للسير مع "الموجة"، فالانتصار يتحقّق، والمرحلة هي موسم انتخابي، ولا بد إذاً من ركوب الموجة. وكالعادة، خاضوا مباراة إنشائية لاختيار أجمل التعابير.. لكن، وكالعادة أيضاً، الناس لا تقرأ تصريحاتهم، والمسابقة التي دخلوها في الإنشاء هي من دون نكهة ولا روح.. حتى لا نقول أكثر.
على كل حال، هم اليوم جمهور "نفعي" يشبهون بعض الأشخاص الانتهازيين الذين يميلون "كما مال الهوى".
المهم أن اللبنانيين اليوم كلهم صوت واحد، ولا تُسمع أصوات نشاز.
هل كل ذلك من أجل المعركة مع "داعش"؟
هل كل هذه الروح الوطنية هبطت على اللبنانيين فجأة اليوم؟
هل توحّد اللبنانيون من كل الطوائف والمذاهب ضد "داعش"؟
لم يتوحّد اللبنانيون في المعركة ضد "جبهة النصرة".. وكل كلام غير ذلك هو كلام غير واقعي وفيه اختباء خلف الإصبع.. ولهذه المسألة وقفة أخرى في وقت آخر عندما تهدأ أصوات المدافع..
إذن، ليست المعركة مع تنظيم "داعش" هي التي توحّد اللبنانيين. هذا الواقع. الذي وحّد اللبنانيين ضد "داعش" هو الجيش اللبناني. والذي وحّد اللبنانيين ضد تنظيم "فتح الإسلام" في معركة مخيم "نهر البارد" قبل 10 سنوات، هو الجيش اللبناني. والذي وحّد اللبنانيين ـ نسبياً ـ في معركة عبرا هو الجيش اللبناني.
ليس المهم مَن هو العدو.. اللبنانيون لا يتوحّدون إلا خلف الجيش اللبناني. هكذا تقول التجارب.
اليأس أصاب اللبنانيين في كل شيء.. إلا من الجيش اللبناني. رهانهم على هذا الجيش، يقفون خلفه، ويصفقون له، ويحتفلون بعيده، ويرفعون راياته، ويحترمون جنوده وضباطه، ويقدّرون تضحياته، ويتألمون لآلام جنوده ويفرحون لأفراحهم.. يبكون لشهدائه ويستقبلون الجثامين بالزهور وماء الورد ويصّلون عليهم في المساجد التي لا تعود خاصة بمذهب وفي الكنائس التي لا تعود تتبع طقساً محدداً…
الجيش اللبناني لا ينتمي إلى طائفة ولا مذهب ولا منطقة ولا حزب ولا زعيم ولا ضابط ولا قائد.. المسألة عند اللبنانيين لا ترتبط بأشخاص. اللبنانيون يرتبطون بالمؤسسة العسكرية، هي بالنسبة لهم خشبة الخلاص وجسر العبور نحو الوحدة والدولة وإلى الأمن والأمان والاستقرار.
عندما يُعطّل القرار السياسي جيشَنا، يهتز الاستقرار. وعندما ترفع السياسة يدها عن الجيش، يسود الأمان والاستقرار.
الجيش هو صمّام الأمان.. ورمز الاستقرار.. وعنوان اللاطائفية.. ورهان اللبنانيين أجمعين..
الجيش اللبناني صار هو رمز الوحدة.. فلنحفظ الجيش كي نحفظ الوحدة.
عاش الجيش.. عاش لبنان
جريدة الرقيب