صرخة المطران عودة جاءت بعدما طفح الكيل الارثوذكسي، خصوصا أنه سبق للمجمع الانطاكي الأخير الذي عقد قبل أشهر برئاسة البطريرك يوحنا العاشر اليازجي في البلمند، أن أثار هذه القضية، وإستدعى عددا من وزراء ونواب وقيادات الطائفة الى جلسة مغلقة مع المطارنة، وذلك لوضعهم أمام مسؤولياتهم في تقديم مصلحة الطائفة وأبنائها على مصلحة الأحزاب السياسية التي ينتمون إليها، لكن أحدا لم يلتزم بتوجيهات المجمع الإنطاكي ما أدى الى مزيد من الاقصاء والتهميش بحق الأرثوذكس وصولا الى المؤسسات الأمنية.
كما سبق لنائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري أن رفع الصوت تجاه المظلومية الأرثوذكسية، وأبدى عتبا على حليفه وصديقه الرئيس سعد الحريري كونه ″لم يسع الى إنصاف الأرثوذكس في التشكيلات الدبلوماسية″، منتقدا وزراء الطائفة في الحكومة، معتبرا ″أنهم لا يمثلون الأرثوذكس، بقدر ما يمثلون أحزابهم ويسعون الى خدمتها وتأمين مصالحها″.
تشير المعلومات الى أن وظائف كثيرة خسرها الأرثوذكس خلال السنوات الماضية، لا سيما على صعيد الفئتين الأولى والثانية، حيث أن كثيرا من الأرثوذكسيين الذين أحيلوا الى التقاعد إستبدلوا بمسيحيين من مذاهب أخرى بالوكالة أو بالأصالة، أما الوظائف الأساسية فتسند الى الأرثوذكسيين المنتمين سياسيا لأحزاب وتيارات مارونية أو سنية، والمتفلتين من سلطة الكنيسة.
وجاءت تشكيلات قوى الأمن الداخلي والتي همّشت الأرثوذكس، لتُخرج المطران عودة عن صمته حيث طالب الوزراء والنواب الأرثوذكس بأن يرفعوا أصواتهم بشدة وأن يضربوا الطاولة بأيديهم بقوة حتى يسمع من عليه أن يسمع، وإن صم أذنيه، وليكن أبناؤنا أقوياء في الحق ولا يتوقفوا عن الإزعاج حتى يحصل إخوتهم على حقوقهم، أي حتى تحصل الطائفة على حقوقها. آملا أن ″يطيعوا ضمائرهم وألا يسمعوا لأوامر زعمائهم لأن هؤلاء يريدون مصلحتهم ومصالح طوائفهم، لا مصلحة الطائفة الأرثوذكسية ومصلحة أبنائها.″
ليس لدى الأرثوذكس في لبنان قوة سياسية، أو تيارات وأحزاب مستقلة، لذلك فإن كثيرا من قياداتهم تعيش تحت رحمة التكتلات السياسية والحزبية، وبما أن أكثرية أبناء الطائفة من أصحاب الكفاءات، لا ينتمون الى تلك التكتلات، فإن حظوظهم في الحصول على مراكز متقدمة في الادارة اللبنانية شبه معدومة، في حين يؤول ما تبقى من هذه المراكز الى إرثوذكسيين يلتزمون بتوجهات أحزابهم وتياراتهم، في وقت لم تعد تجد فيه الطائفة الأرثوذكسية في السلطة الحاكمة من يدافع عن أبنائها أو من يسعى الى الحفاظ على مواقعهم في المناصب المخصصة لهم والتي بدأت تذهب تدريجيا الى الموارنة والكاثوليك.
تقول مصادر أرثوذكسية مطلعة: ″إن الأرثوذكس في لبنان يتعرضون لظلم كبير″، كاشفة أن مرد ذلك يعود الى أن الكنيسة الأرثوذكسية تتخبط بخلافات بدأت تخرج من الغرف المغلقة الى العلن، لا سيما لجهة الاعتراضات التي تتنامى على قرارات البطريرك اليازجي من داخل الكنيسة ومن خارجها، وهي بدأت تظهر جليا على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن هذه الخلافات تؤدي الى تراجع دور الكنيسة مجتمعة، وتحول دون الاهتمام بقضايا الشعب الأرثوذكسي وبحقوقهم المكتسبة في الدولة اللبنانية.
وتضيف هذه المصادر: لا يقتصر الأمر على الكنيسة، بل إن القرار السياسي ليس أرثوذكسيا بل يخضع لتبعية واضحة لتيارات وأحزاب من مذاهب مسيحية أو طوائف أخرى، لافتة الانتباه الى أن الوزراء الأرثوذكس الأربعة داخل الحكومة الحالية، ثلاثة منهم ينتمون الى التيار الوطني الحر، وواحد ينتمي الى القوات اللبنانية، وبالتالي فإن المصلحة الأرثوذكسية تغيب لمصلحة ″الشمولية المسيحية″.
وتؤكد المصادر نفسها أن هذا الواقع، ينمّي شعور الغبن والظلم لدى الطائفة الأرثوذكسية، ويضاعف من الضغط عليها وهي باتت تلمس أن السلطة اللبنانية لا تتعاطى معها كمكون أساسي في المجتمع اللبناني، أو كشريك في الوطن، وهي لا تستفيد من الكفاءات التي تختزنها هذه الطائفة على كل صعيد، ما يدفع شبابها المستقلين الى الهجرة.
غسان ريفي
سفير الشمال